
(2)
عبر الســـحاب ...!
...وحدك وانا وحــدي
..عمّال يعـدّي
وقتك و..وقتي..
...هل من الممكن أن نحصل على الحب ونحسّ به ..ونذوب عشقا عبر الهواء ؟!. وعبر وسائل عصريه لم تكن تخطر لنا على بال
؟!.
.- هذه الوسائل التي أصلا تفتقت عبقرية صانعيها في الغرب بداية في دوائر الاستخبارات العسكرية والجاسوسيه..ثم تحولت الى مساحة شاسعة واسعة لكل البشر .. ولتواصلهم بعكس " الديناميت"..ألذي ابتكره صاحبه لأغراض ظن انها لخدمة الناس والحياة فتحولت الى آلة دمار قاتل ..مما جعله يندم ويضع جائزة سنوية من ماله للضــّد..للسلام - !!
.. هل ممكن ان يحدث هذا الحب ؟!...
نحن الجيل الذي كنا في زمن اذا ما رأينا فيه فتاة جميلة بهيه تمر من امامنا ..نطير فرحا لمجرد انها نظرت الينا !..لنعود الى ليلنا ونستسلم لأحلام لذيذه تداعب قلوبنا وخيالاتنا
!!
مرّت علينا عصور واجيال قادمه..لم تحصل على هذه المتعة الروحية التي كنا نعيشها... وازدحمت الدنيا.. ووصل حتى المراهقون هذه الايام الى الممارسة الحسية والجسديه كـأمر عادي !
.. وظللنا نحن كما كنّا !..أحببنا وعشقنا بعد العشرين أو ربما بعد الثلاثين من العمر.. تزوجنا ..وأصبح لنا مواليد نرقبهم ونحاول معرفة ميولهم ..نخاف عليهم من زمن قادم ربما يكون اصعب كثيرا مما هم فيه الآن...
.. تزوجنا وتعثرنا ..وتكالبت علينا عوارض الحياه, المتلازمة مع واقع سياسي يسير من المـرّ..الى الأمــرّ..!..وأصبحت بلادنا – بعد ستين عاما من النضال-..مرتهنة للغير ..وكأنه شيء طبيعي على الجيل القادم ان يرضى به ويتعايش معه !!...
فأحلامنا القديمة التي لم تنطفىء جذوتها يوما في التحرر والكرامه وشرف المقاومه, ما زالت كما هي ..بينما أطفالنا موزعون بين اهتماماتهم ومطالبهم اليوميه ..ومناهج دراسية جديده تحاول طمس أو الغاء كل تجارب جيلنا وما قبله ..
استسلم الجيل الجديد للوسائل السمعية والبصريه المخدّره..
ول "النت"..وابتعد عن الكتاب ..الذي كنّا نحن نجمع تحويشتنا من الاب من اجل اقتنائه ..نذهب الى المكتبة فرحين لنقتني قصة او كتابا سمعنا عنه ..وتشوّقنا لامتلاكه ..
كيف يمكــن ان نقاوم ؟!!
..هو ..كان وما يزال يقاوم "من داخل دائرة الاصفار العبثية التي تحيط به"..وبرغم كبواته في الزواج والمال.. يحاول وبرغم الحصار السياسي والاعلامي والحياتي , تربية ابنائه على بعض مما كان ..ويعتبره أفضل..في نفس الوقت الذي يحاول بكل ما امكنه توفير تلك الوسائل لهم مع بعض الرقابه الضروريه ..
...
تقدّم به العمر .. تعب من الزواج وتجربته المريره... يتذكر صديقه الشاعر اللبناني :
- خيّي انت محظوظ في العشق والهوى
مش محظوظ في الزواج..لا تعيدها
!!
وعندما اعادها وفشل ..ورآى مرارة التجربة الثانيه ..تذكر هذا الصديق مرة اخرى
- ..يا ريتني ردّيت عليك
!
.. ولكن هم الاطفال قد جاؤوا الى الدنيا... , فصمد وما زال,.. ربما من أجلهــم !
هو ..هو .. ولا يزال , الباحث عن الحب والخير والجمال والحقيقه والعداله,..في زمن اصبح فيه الحديث عن القيم المطلقة تلك ..,كالحديث عن زمن "الكانون"..ومدفأة الحطب ..والعائلة المتآلفه المتجمعة حولها ..يسترها القليل , ويجمعها الحب !
أما هي .. فكانت بعيدة في المكان ..لم يلتقيا يوما ..ولا لحظه
كانت مهمومة ولا تزال, بعملها الصعب ..وهو عمل موجّه للجماهير والمثقفين ..ولفتح طاقات النور لهم امام ركام من التخدير والمهازل ... ويتحكم في هذه المؤسسات مدراء قوادون لا يصلحون لرعي الاغنام !..يتحكمون في عباد الله من موظفين ومبدعين وعاملين أقدر منهم ويفوقونهم علما وثقافة وخبره !
كانت هي ايضا خارجة من تجربة زواج فاشله .. وهذا ما جعلها في زمن وموقف أصعب ؟!..في مجتمع تعوّد دوما ان يستعد ذكـوره للانقضاض على المطلقه خاصة اذا كانت جميله ...ولكنها وبحكم ذكائها وثقافتها وتعلقها بطفلها الوحيد ,..استطاعت ان تصمد وتقاوم ...,تنتزع وتقتل الوقت بحثا عن ذاتها..وحفاظا على هذه الذات.., وتأمين مستقبل طفلها في زمن أغبر ..وفي بلد تحكمه عصابة من لصوص استمرؤوا بيع الوطن والشعب مقابل الجاه والكرسي ...يتحكمون في عباد الله ومؤسسات الدوله .., ومن ضمنها المؤسسة التي تعمل بها ..
... كانت تجامل بحكم ما يفرض عليها في مجال عملها ..ولكن سرعان ما كان يفضحها وجهها الجميل وعيناها وتبرم شفتاها !..
ولكنهــا تستمر وتتساءل بينها وبين نفسها :
- الى مـتى
؟؟!
...تقرأ كثيرا..تهرب الى هوايتها الكتابه..ونحاول جاهدة ان لا تجعل عملها يسرق منهاهذه الشعله:"القلم"..
احيانا تكتب اشعارا على لسان رجل..!!..ربما تبحث عنه؟!..
أو تريده ان يقول لها ما تكتب
؟!!
..تقتل وقتها بين هوايتها وعملها وثقافتها بما يجري حولها...تكره
نفسها حين تضطر لمجاملات فارغه..خاصة مع اسماء يراها الجمهور مشهورة ولامعه..وهي لا ترى ذلك..ولسان حالها وقسمات وجهها تقول , انهم لا يستحقون مجرد الحديث معهم!!
.. هو ايضا كان يعيش في الوطن المحاصر والمسلوب بين مؤامرات الجوار والاخوه..!..والاعداء الذين يقفون على بعد امتارمن بيته..في الطريق صباح مساء..وعصابة لا تملك سيادة على الارض تتاجر في الوطن او ما تبقى من وطن..!!... وخطابات تتوزع بين السياسي والاقتصادي والديني..وكلها تدّعي ولها بالوطن..!
بينما هي على الارض تمارس تمزيقه أكثر من العدو الواضح والمتربص دوما ..
وبخبرته وثقافته وعلى مر السنين ...فقد كان يعرف هؤلاء الحكام ...عنده وفي الحوار العربي كله ... يراقب ويكتب .. انتقل من الكتابة في الشعر الذي يحبه اكثر من كل اوراقه ... الى الكتابه في السياسة ...والنقد و القصة القصيرة ....حتى السيناريو والمسرح كتب فيهما ...لدرجة ان صديقه الاديب السكندري والذي ظل متابعا لكتاباته بعد سفره ارسل له:
..- ايه الحكايه؟.. لقد اصيحت تكتب بمزيج غريب من كل هذا ..سيناريو ارى فيه شعرا , وقصة صغيره..,ومقالا و..لكن قل لي كيف تلف هذه اللفة العجيبه والجميله؟؟..فيجيبه:- انا اكتب ما احسّ به..زي ما تكون حاجات معششه في دماغي وبفرغها ع الورق..!!..فيجيبه الصديق :خليك كده ..واوعى تتغير !!
و.. ظل كاليوم الاول ... كامنا لا يعرف ما يكمن بداخلة مرتبكا خجلا يسأل :
هل جئت الى عصر سمح وكريم
-هل شكلى مقبول بالنسبة للعالم .
-هل سيحاسبنى أحد عن لون الحيرة في عيناي ؟
- هل سيكون لمثلي بيت في هذا العالم ؟!!
هل اعطى الخبز الكافي والدفء الكافي ..والحب الكافي؟!
كتاباته توزعت بين أصدقائه..لأنه ببساطة فضّل ركنها على رفّ الايام ...افضل من عرضها على كتبة السلطان في وسائل الاعلام المتعددة ...فقد كره تلك الاجابات :
_كتاباتك جميلة..نستمتع بها ونتمنى ان نكتب مثلها ..ولكن ؟؟!!
وهنا ال " لكن" هذه ؟-ما رايك لو أنها لاتتعرض ل كذا .. .اوكذا ...أو لا داعي للخوض في كذا...وكذا ...!!
كان ينظر اليهم ..يبتسم ابتسامة مغتصبة ..ويطيل النظر اليهم ....يحمل اوراقه بين يديه ...و يذهب !!
هو... وهي ..
أخيرا التقينا ...وبدون سابق انذار أو معرفة شخصية ..
التقيا عبر الاوراق ...عبر معشوقتها "الكلمه"..كيف ؟!
لايهم..المهم أنهما التقيا...
هو كأنه كان ينتظرها منذ عصور.... كمّن يبحث عن نفسه ..
وكانت اولى همساته المرتبكه الخجوله معها على الهاتف , وبدون مقدمات وقبل ان تنطق هي :
ــ ...اشتقت لك ... وحشتيني !!
... ....؟!!
صمت وارتباك , وكلام هنا او هناك عن عملها .., وعن الشعر والكتابة والمعرفه ..؟!!
ــ ما الذي حدث لك ايها الغبي..؟!! "سأل نفسه"..!
..عبّرت له عن سعادتها بمعرفته..وانتهى الحديث الاول بمعجزه
... وتعددت اللقاءات واللقاءات عبر هذه الوسائل السمعية والبصريه.. وحينما كانا يتلاقيان في فكرة معينه , كانت تقول:
ــ هناك شيء سماوي بيننا ...
كان سعيدا بكلامها ولقائاتهما عبر الاثير والسحاب واحس ان تساؤله السابقة الذي اطلقه في غمره احزانه واحباطاته
....ولماذا جفّ على نافذة العمر..الحب والمطر؟!!
احس بهذا السؤال بدأ يختفي بعد لقائها وان كان عبر السحاب ....احس انه ..الف شوق جاء..!
....
الامر لم يتوقف عند هذا الحد ..فقد تعددت اللقاءات عبر الاثير
...شعر بان ملامحه تتغير ...عاد له قلب طفل عاشق ...
لاحظ اشياء غريبة تحدث له ..
يشتاق لصوتها ..يحزن لعدم الرد أحيانا-وهو يعلم ان لها همومها اليومية-....يضيق من كلمة غزل تصدر من أحدهم لها ...!!حتى صورها الجميلة لايريدها أن تظهر الّا له !!
- اعقل يا مجنون ...ماذا جرى لك
؟!
كان يحدث نفسه طبعا....منتظرا اطلالتها ..صوتها ..,وكأنه يحنُّ لماضٍ
يشــتاقه ويشتهيـه..
!!
لم يكن يريد منها شيئا اكثر من هذه اللمسة اللذيذة التي فاجـأته بعد
زمن من التصحّـر ..,أن لا تنتهي
!!
... ومضت الايام وبدأ يحس باشياء وتطورات غريبة في قصتهما ..
ابتعادا لم يفهم سببه ..حاول هو ان يختار لها اعذارا :
- ربما همومها .. مشاغلها ..؟!!..., ولما تكرر الامر آثر الصمت وصمت لانه بدأ يحسّ انّ كثرة السؤال عنها صارت عبئاً عليها
فآثر ان يبتعد لكي تظل تلك الومضة الجميلة بداخله لا تنطفىء ...
مع انّه ادرك بغريزته ان في الامر دخلاء اصبحوا داخل الاطار الذي ظنّ هو
انهما صنعاه لنفسيهما وروحهما معاً...!!..وادرك او شعر ان بعضهم اوغادا من هذا الزمن المليء بهم
...ورويدا رويدا بدأت تبتعد متذرعة احيانا باسباب غير مقنعة لطفل صغير
..!! وهو صامت يترقب ..هو البعيد عنها مكانا , وكل الوقت كان يتمنى
القرب منها قلبا واحساسا ..
...أصبحـت غربته صحبته..
.., ب تحوم حواليـه
!!
وتمضي ايامه ..ويظل سؤاله بعد مضي زمن على الحكايه
وتوقفها هنا :
ــ هل اكـون مجــرد عابـر ؟
..وجـرّد غيمة ٍ في زمنٍ لا يمطـــر ..
؟؟!!
ياسر اكرم
من ابريل _ ديسمبر 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق